الثلاثاء، 28 يوليو 2015

(7)معركة المنسيّ




بعد أن عيّن ظاهر العمر أولاده جميعًا كلُّ واحد في مدينة، إنتخب لذاته مسكنًا في مدينة النّاصرة. وبدأت حكومة ظاهر تنمو رويدًا رويدًا وتنتشر في قضاء النّاصرة حتّى زادت قوّته وأصبح الحاكم الوحيد المتحكّم في هذه البلاد، الأمر الّذي جعل عرب الصّقر ومشايخ جبل نابلس يحقدون عليه ويحاولون سلخ مرج ابن عامر عن ظاهر.  وقد جمعوا جنودهم وجاءوا لمحاربته كيّ يملكوا مدينة النّاصرة وجوارها. وما أن وصلوا حدود الأراضي الخاضعة له، أخذوا يدمّرون القرى وخاصّة مدينة النّاصرة ويعيثوا فيها فسادًا وأعمالاً فظيعة. فلمّا بلغ الخبر الأمير ظاهر جمع رجاله من قضاء النّاصرة وصفد وجوارها متّكلين على الله تعالى وقابلين الموت لأنفسهم دون الحياة، خير من أن يجرى بحريمهم وبناتهم ذلك الأمر القبيح.
تحصّن جيش أهالي جبل نابلس وعرب الصّقر جنوب نهر المقطع قرب “تلّ المنسيّ”، بينما تحصّن ظاهر وجيشه شمال النّهر.. عبر ظاهر النّهر وهاجم النّابلسيّة قرب المنسيّ وقتل شيخهم إبراهيم الجرّار في المعركة.
حشد ظاهر العمر ثلاثة آلاف مقاتل من المغاربة وأهل بيته وحاشيته ومن النّاصرة وما حولها. وبعث في الوقت نفسه إلى عرب الصّقر ليوافوه إلى مكان ما في مرج ابن عامر صباحا لمساعدته على جيش جبل نابلس. ولكن عرب الصّقر الّذين وعدوا بالمساعدة لم يفوا بما وعدوا. ففي الصّباح جاءه رجل من الصّقر اسمه “أبو حلاّق” وقال له: “أنا من الّذين دعوتهم ليأتوك صباحًا لسلامة خبرك، وعلمت أنّك لم تدرِ بما هم عليه فجئت لأخبرك أنّ قومي اتّحدوا مع النّوابلسيّة عليك، وعند الصّباح مرادهم يحتاطوك، فخُذ حذرك منهم وأنا راجع الآن على عقبي خوفًا على دمي من أن يدروا بي…”
إنزعج ظاهر من خيانة عرب الصّقر فتشاور مع أخيه سعد وقائد عسكره محمّد العلي واتّفقوا على محاربة النّوابلسيّة وعرب الصّقر. قسّموا الجيش إلى ثلاثة أقسام: الدّنكزلي مع نصف من معه يكمن شمالا. محمّد العلي يكمن يمينًا بخمسمائة مقاتل. وظاهر العمر يتقدّم ومعه ألفين من المقاتلين، يناوشهم ويُكْسَر أمامهم حتّى إذا ساروا بين الكمينين خرجا عليهم وتحالفوا، فإمّا النّصر وإمّا الموت في المرج ومضوا على ذلك وهم في رعب شديد.
قام ظاهر العمر من الفجر العميق، صلّى ورتّب الكمينين وتقدّم فوصل إلى النّاصرة، ثمّ تقدّم نجو المرج فوجد النّوابلسيّة هاجمين مع عرب الصّقر، فناوشهم قليلا وتأخّر فتبعوه إلى أن صاروا بين الكمينين، وذلك في مكان بالمرج يسمّى “الرّوحة” جنوب المنسيّ فارتدّ ظاهر عليهم وكسرهم، ففرّ عرب الصّقر وقتل ابراهيم الجرّار في المعركة. وتبعهم ظاهر وجيشه يقتلون ويأسرون من النّوابلسيّة لأنّ أكثرهم كانوا مشاة، فلم يرتدّ عنهم حتّى بلغوا عين جنين، حيث في ذلك الموضع قد قتل من النّوابلسيّة وعرب الصّقر أكثر من 30000 مقاتل. ومرج ابن عامر قد أنتنت رائحته من كثرة أجساد المقتولين. وإنّه يوجد في المرج قطعة أرض منخفضة قد قتل فيها حينئذ في الحرب 8000 مقاتل من جيش جبل نابلس. وذلك جرى أنّه لمّا بلغ الأمير علي بن ظاهر العمر ذلك المكان مع قسم من جيشه حيث كان نازلا جيش جبل نابلس حالا أحاطهم على غفلة من جميع الجهات وأهلكهم جميعًا. وقد بقيت تلك الأرض عشرين عاما لا تصلح للفلاحة من كثرة عظام الّذين قتلوا فيها.
كانت نساء وبنات النّاصرة في وقت الحرب يحملن جرار الماء إلى المرج ويسقين جيوش الأمير حتّى يستمرّوا في الحرب ضدّ النّوابلسيّة. وعدا ذاك كنّ يشجّعن الأمير ظاهر وأولاده مع جيوشهم الكثيرة العدد بتلك الأغاني المطربة واللّذيذة الّتي تجعل الضّعيف قويًّا. كما أنّ البنات العذارى من خوفهنّ على ذواتهنّ كنّ يهتفن للأمير ظاهر وأولاده ” ترفّق بنا يا أبا فلان”.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا بكم بين اخوانكم في قبيلة الزيادنه ، ومشاركتكم موضع ترحيبنا وتقديرنا

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.