الخميس، 30 يوليو 2015

(10)
قصة الخيانة ومقتل ظاهر العمر :


عندما استقرّ ظاهر العمر في طبريّا، بدأ يستولي على البلاد الّتي حولها شيئا فشيئا ويطلب من والي صيدا التزامها مدّعيًا أنّه يحميها من العربان “التّركمان والصّقر”. توسّع ظاهر نحو قلعة “جدّين” وكان واليها أحمد الحسين الّذي كان يحكم بلاد البشارة.
جرت الحرب بين ظاهر العمر وأحمد الحسين، فانتصر ظاهر وقتل أحمد الحسين في المعركة، ودخل ظاهر القلعة واستولى عليها ولم يأخذ شيئا من مال أحمد الحسين. حين دخل القلعة رأى من المتجنّدين عند أحمد الحسين فتى حديث السّنّ من بلاد المغرب العربيّ، جميل الصّورة، حسن الهيئة فدعاه وكلّمه فأبان عنه لسان ومنطق فقال له:
ما اسمك؟
قال: الدّنكزلي.
قال له: ما صنعتك؟
قال: كنت في بلدي حطّابا بفأسي وأمّا الآن عسكريّ عند مولاي الشّيخ أحمد الحسين.
قال له: أتريد أن تخدم عندي؟
قال: ومن يأبى العزّ؟!
قال له: أتعلم المطلوب منك لي إذا خدّمتك؟
قال: نعم، الأمانة والشّاهدان على ذلك الله ورسوله والقاضي سيفك.
قال له: أحسنت. أتعلم أحدًا من هذه البلاد من جنسك؟
قال: لا يخلو.
قال له: جعلتك آغا معي، من تعيّنه عندك فعيّن ممّن تجد.
قال: سمعا وطاعة.
ورتّب له ظاهر راتبا وصار يرافقه أينما توجّه.

وبعد وقت قصير عيّن عنده أكثر من ألف مغربيّ، فاشتدّ ظاهر بهم وقوّى جيشه واعتمد عليهم اعتمادًا كلّيًا وكان ذلك سنة 1736م. واستمرّوا في خدمة ظاهر مدّة 40 عاما وبعدها خانوه واغتالوه في 29 آب- أغسطس 1775م.
في هذه السّنة حاصر حسن باشا عكّا، قام ظاهر وطاف حول أسوار عكّا وأبراجها، وأمر الدّنكزلي بإطلاق المدافع على المراكب السّلطانيّة، لكن عثمان بن ظاهر اتّفق مع الدّنكزلي بألاّ يطلق المدافع على المراكب السّلطانيّة، فصار الدّنكزلي وجنوده يضربون المدافع بطريقة عشوائيّة بحيث لا تصيب المراكب السّلطانيّة. عندها تأكّد ظاهر أنّ المغاربة خانوه فقرّر أن يخرج مع أهله وعياله وحريمه إلى قلعة تبنبن.
كان الدّنكزلي وبعض مغاربته رابطين في موقع يدعى “أبو عتبة” بعيدًا عن عكّا مقدار ربع ساعة. فلمّا وصل ظاهر إلى هذا الموقع، نظر في حَرَمه فلم يجد حُرْمَتَه فسأل عنها، كلّهم قالوا: ما رأيناها، خرجت معنا لكن تأخّرت.
فقال: إنّ من العار في مثل هذا الوقت أن يترك الرّجل عرضه. فرجع وهو على جواده، فوجدها قادمة مشيًا على الطّريق، فأراد أن يصعدها ويركبها خلفه، فطأطأ وأخذ بيدها، وهمّت ليركبها، وكان ظاهر شيخًا كبير السّنّ تجاوز السّتة وثمانين عامًا، قد ضعف فوقع ووقعت تحته، والدّنكزلي ومغاربته أسرعوا  إليه، وأطلق الدّنكزلي عليه النّار من طبنجته فخار في دمه وقال ظاهر: ” اللّهمّ أحمدك عليها شهادة لعرضي”.
فاستلّ الدّنكزلي سيفه وقطع رأسه ومضى بع إلى حسن باشا. ولمًا وصل الدّنكزلي إلى حسن باشا بالرّأس تأمّل حسن باشا الرّأس وكان ملطّخًا بالدّم والتّراب، فأمر بغسله ونُصب على كرسيّ أمامه وقد ظهر في وجهه إشارات الغمّ والحزن. وجعل يفكّر مطرقا رأسه في الأرض يفكّر ويتلاعب في ذقنه مقدار ربع ساعة، والدّنكزلي واقف أمامه.
ثمّ رفع راسه وقال للدّنكزلي:
من أيّ بلاد المغرب أنت؟
قال: من تاهرت.
قال: وما كانت صنعتك هناك؟
قال: حطّابا بفأسي.
قال: وكم لك في خدمة ظاهر؟
قال: ما يزيد على أربعين سنة.
قال: وكم كان دخلك منه؟
قال: سنين كثير وسنين قليل، ولكن أقلّ السّنين لا ينقص عن 200 كيس.
فقال له: تأكل خبز إنسان أربعين سنة ودخلك منه كلّ عام هذا المقدار وتخضّب سيفك بدمه! ينتقم الله منّي إذا لم أنتقم منك لظاهر، ثمّ أشار لملازميه فأخذوا الدّنكزلي وأمر به فخنق ورمي في البحر، وتشتّت أتباعه من بعده.
وهكذا انتهت دولة الزّيادنة. وقد وصف فولتي الفرنسيّ  الشّيخ ظاهر بقوله: “لم تر سورية مثيلا لظاهر العمر في الأزمنة الّتي توالت عليها لأنّه كان داهية في السّياسة حكيمًا محنّكًا ولكنّه كان طمّاحًا طمّاعا ومن صفاته الحسنة أنّه لم يكن ليميل إلى التّحيّل والدّهاء بل يجاهر بمكنونات صدره ولو تكلّف ما لا يطاق وأحبّ النّصارى ورفع منزلتهم وحكم بالعدل في رعيّته”.
وفي عام 1776م جاء أحمد باشا الجزّار ليتسّم زمام الأمور بعد ظاهر العمر، أحمد باشا الجزّار أصله من بلاد البشناق من كرسي الحكم وهو ابن علي باشا الحكيم باشا البلد. وكان مولده سنة 1772م من أمّ يهوديّة تسمّى “رينا” وكانت جميلة جدّا أحبّها علي باشا وضاجعها فحبلت منه فلمّا أحسّت بحبلها منه خافت من قومها الرّجم، فأخبرت بذلك علي باشا عاشقها فأخذها غصبًا وتزوّجها فمن بعد أربعة أشهر ولدت ومات علي باشا أبوه وبقي أحمد غير معروف أنّه ابنه وزير، والمرأة رجعت واستسمحت قومها وبقي أحمد ضائعًا بين المسلمين واليهود…

تم تعين احمد باشا الجزار والي لصيدا, ونقل مقره إلى عكا  وأصبح احمد باشا الجزار حاكما مطلقا يطارد و يقتل أعوان ظاهر العمر بالشبهة ولقد وصل الأمر إلى إزالة أية علامة حتى في المساجد والمدارس التي تشير إلى عصر ظاهر العمر, واخذ يطارد فلول الزيادنه وأعوانهم بكل الوسائل , وتوالت المطاردات و التصفيات.
وقد تمكن من إخضاع الكثير من مناصري ظاهر, واضطر الباقي للتخفي والتواري والفرار إلى أماكن بعيدا عن ملاحقته, ومما يروى عن الجزار  ان قرية كانت مجد الكروم من أنصار الزيادنه وفيها حمولة المريدات , قدم إليها الجزار و أعطى أهلها الأمان و إثناء الاحتفال به اعدم بالساطور أربعة عشر من أعيان القرية أمام المحتفلين
 ثم أصدرت الحكومة العثمانية مراسيم تفيد إن بعضا من ألعصاه الخارجين على القانون, أعداء الأمة والدين قد فروا إلى عجلون وتطالب بتصفيتهم بأي ثمن
تحصن علي ابن ظاهر العمر في كفركنا, ودارت معركة مع القوات العثمانية , حقق فيها نصرا سميت معركة دير حنا 1776م, و تسميها الرواية المحلية معركة كفر كنا , ولكن الحشود توالت مما اضطر على ابن ظاهر الانسحاب إلى منطقة بيت يافا , و دارت معركة مابين أنصار الشيخ ظاهر الموالين والقوات العثمانية بقيادة الوني حيث قتل الأخير ولئن الحلفاء توانوا في النجدة
فقد انهزم جمع الأنصار وتشتتوا, وتوارى الجميع , وكان ذلك عام 1777م وسميت المعركة بمعركة العلام أو بيت يافا أو وادي الغفر 
قتل عدد من أبناء ظاهر , وألقي القبض على آخرين , وضل علي مختبئ في شطنا بعض الوقت ,إلى أن القي القبض عليه خدعة واعدم  و  بمقتل علي أبن ظاهر العمر سنة 1777 بعد عامين من مقتل ابيه انتهى حكم الزيادنه  

وأعطى الاتراك  أحمد الجزار مهمة تشردهم وقتلهم وتشويه صورتهم بين الناس والتعتيم على دورهم القومي واعتبارهم خارجين عن طاعة السلطات و تشردوا في الأردن وفلسطين وسوريا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا بكم بين اخوانكم في قبيلة الزيادنه ، ومشاركتكم موضع ترحيبنا وتقديرنا

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.